يوميات طبيب اشعة

عجيبة هي الطوارئ في مستشفيات مصر!!

انا محمود قدري، طبيب أشعة، اعمل في مستشفى بقلب القاهرة وأقضي ساعات عديدة بطوارئها.

هناك حيث ترى العجب العجاب.

تتقاذف عليك حالات عديدة لأناس مختلفين، رجالا ونساء، صغارا وكبارا وعجزه، الغني منهم والفقير.

نحكي اليوم قصة حالتين من تلك الحالات:


اولهما طفل عمره ١١ عاما، نحيف، مهندم الثياب، يبدو انه من اسرة ميسورة الحال وذلك يتأكد بالنظر الى امه التي تقارب الثلاثون من العمر ومظهرها يوحي انها نشأت في اسرة متوسطة او اعلى قليلا، ولابد انها نالت قسطا لا بأس به من التعليم سمح لها بالعمل في وظيفة حكومية على الأغلب.

بدأت قصتنا في تمام الثانية بعد منتصف الليل

فها أنا جالس في الحجرة المخصصة بأشعة السونار

واذا بطبيب الجراحة يستأذن بالدخول ثم يعرض علي حالة تلك الفتى

الفتى يشتكي من الم بخصيته اليمنى

بدأ الالم منذ اسبوع تقريبا وبعد الكشف والفحوصات تبين انه يعاني من التواء بالخصيه. (وهي حالة تستدعي التدخل الجراحي لتثبيت الخصية حتى لا تموت من نقص الدم الواصل اليها)

ولكن القرار كان بأخذ مجموعة ادوية ومسكنات والمتابعة لتقييم تطور الحالة.

ولكن تأخرت الامور وتأزمت ونتج عنها ما نحن بصدده الأن، لا اعرف سبب التدهور  هل هو اهمال من الام ام انه سوء نقل المعلومة من الطبيب المعالج.

المهم ان الحالة الان تحتاج الى عمل سونار على الخصية للتأكد من ان الدم لا يزال يغذيها.


رقد الفتى واستعد لعمل السونار 

ومع الفحص اخذ يتضح خطوة بخطوة ان الخصية قد (ماتت) منذ فترة!

انتهت نوباتجيتي وحضرت في اليوم التالي ليخبرني طبيب الجراحة ان الطفل اجرى جراحة واستأصل الخصية المصابة والتي تأكد انها عانت من الغرغرينة لفترة طويلة.

بالطبع يقوم الجراح بتثبيت الخصية الأخرى املا في الا يصيبها ما اصاب شقيقتها.


اما عن الحالة الثانية فبدأت قصتها ايضا في ساعة متأخرة

ويبدو انه لفظاعتها انتشر خبرها في المستشفى كلها، فها هو طبيب الباطنة يدخل علينا حجرة السونار ليخبرنا بالاستعداد لحالة ستأتي لعمل سونار على شرايين القدمين، وينصحنا بالاستعداد نفسيا للمنظر الذي سنراه ثم انطلق خارجا ليكمل مهماته.

بعدها بدقائق دخل علينا ممرض الرعاية ليخبرنا أن هناك حالة في الرعاية تحتاج إلى عمل سونار على شرايين القدم. عرفنا فورا انها الحالة المقصودة.

ولكن طبيب الباطنة اخبرنا أنها ستأتي الينا هنا لعمل الفحص؟!

-نعم، ولكن للأسف فقد المريض كمية كبيرة من الدم واحتاج الى دخول الرعاية، ويتم تجهيزه الان لدخول العمليات ولكن من الضروري اجراء ذلك السونار!

انطلقت انا وزميلتي مسرعين في رواق الطوارئ ومعنا السونار لنصل الى قسم الرعاية المركزة

على الباب الخارجي ثلاثة شباب في العشرينات من عمرهم

من النظرة الاولى تدرك انهم ينتمون الى الفئة الكادحة. اجسامهم نحيلة ولكن قوية، يرتدون ملابس متسخة بالطلاء والغبار حتما كان عليهم تغييرها ولكن امرا جللا دفعهم إلى الانطلاق إلى المستشفى على عجلة ودون ترتيب مسبق.

الثلاثة جالسون القرفصاء 

يدسون رؤوسهم تحت ايديهم واجمين.

لا بد ان لهم علاقة بحالتنا المنشودة.

تقدمنا بالسونار حتى دخلنا الرعاية

لنجد في مدخلها بركة من الدماء وبتتبع مصدرها. اذا بشاب مصاب

يرقد على احد الاسرة

ملامحه تشبه هؤلاء الثلاثة وثيابه تشبه ثيابهم. بفارق ان سرواله ممزق من الناحيتين ومن تحته انسجة ممزقة ودماء

الرِجل اليسرى تعاني من ثقبا قرب الركبة يسح دما.

واليمنى فقدت استقامتها لوجود كسر بعظام اسفل الركبة وجلد وعضلات ممزقة.

- ما الذي حدث؟

- المسكين، سقط اثناء عمله من مكان مرتفع ثم سقط على رجليه لوحا ضخما من الرخام. يحتاج الى نقل دم وتدخل فوري لتثبيت عظام الرجلين ولكن لا بد ان نطمئن على سلامة الشرايين المغذية للقدمين، لان المنظر لا يوحي بخير ابدا.

وأثناء الفحص، لم يتوقف صاحبنا المسكين عن الصراخ والهذيان ويطلب بزيادة جرعة المسكن حتى يتحمل الألم.

في نهاية الفحص تبين ان أحد القدمين فقدت تغذيتها بالدم بالكامل والثانية قلت تغذيتها لحد حرج. الوضع مأساوي وينذر باحتمالية بتر للساقين في اسوأ الأحوال.

امره الان بين يدي الله اولا. وجراحي العظام والأوعية الدموية.

اما كطبيب اشعة. انتهت مهمتي عند هذا الحد. وانتهت النوباتجية. 

Comments

Popular posts from this blog

Quiet